لقد بدأ تنزيل كلام الله ووحيه على سيِّدنا رسول الله (ص) عبر سيِّدنا جبرائيل (ع) في هذا الشهر الكريم، فما بين القرآن وشهر رمضان علاقة لا تنفكّ أبداً، بحيث كان زمن الصوم بكلّ إيحاءاته وأجوائه العبادية والروحية والتربوية، مناسبةً احتوت نزول أعظم رسالة سماوية للناس أجمع، فالزمن الذي فيه خاطب الله تعالى البشرية، حريّ به أن يكون شريفاً ومباركاً ومقدّساً.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185).
ثمّ قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9). فدعانا إلى تطبيق مفاهيم القرآن وتعاليمه في كلّ حياتنا، وعلى جميع تصرّفاتنا وسلوكياتنا، بحيث تكون أخلاقنا أخلاقاً قرآنية، وأعمالنا أعمالاً منسجمة مع أهداف القرآن وتعاليمه في صناعة شخصية إيمانية تلتزم الصدق والحقّ والخير والعدل والرحمة أساساً لها في كلّ توجهاتها.
نحن في هذه الدنيا عندما نستسلم لنزواتنا وأهوائنا المُضلِّة، نصبح لا نُبصر طريقنا، فكان كتاب الله الحقيقة التي تفتح أبصارنا وتجلي قلوبنا وتزكو بأرواحنا. فالهداية هي أفضل ما يمكننا أن نكسبه من تدبُّر القرآن وتلاوته في هذا الشهر الفضيل، الهداية التي بها نتعرَّف الرشد والصواب، والطريق الذي علينا سلوكه عندما نريد أن نتخذ موقفاً أو نُبادل أحداً شعوراً، أو أن نحمل فكراً معيّناً، أو نتصرَّف تصرُّفاً مع الناس.
القرآن الكريم يدعونا في آياته المباركة عندما نتلوها، إلى التعرّف إلى الباطل والحقّ، وما علينا فعله من التزام الحقّ والدفاع عنه، وإلى أن نكون العاملين في سبيل نشر الفضيلة والمنتصرين للحقّ وأهله.
في شهر القرآن الكريم، عندما نتلو آياته، فإنّنا نتقرَّب إلى الباري تعالى. والتقرّب إلى الله يعني التزامنا بسبيله ونهجه، ورفض كلّ تسويلات النفس التي تزيِّن لنا الانحراف والفساد، وتلهينا عن مسوؤلياتنا في الحياة.
في شهر القرآن الكريم، علينا تدبُّر آياته وحفظها، والقيام بما علينا، حتى نؤسِّس لجيل قرآني متدبّر بآيات الله، يحفظها بقلبه وعقله، ويطبّقها في حياته. كما أنّ استلهام هذه الآيات في كلّ معانيها الجليلة، لهو خير لنا ومعين على مشاكلنا الروحية والأخلاقية والاجتماعية.
إذا أردنا أن نُحسِّن من استفادتنا من الصوم، فلنعكف بكلّ وعي وحرص على كتاب الله، ونتدبَّره ونحفظه ونستلهمه، لأنّ فيه كلّ الخير والنفع للإنسان في دنياه وآخرته.
إنّ القرآن الكريم شفيع لنا وحجّة علينا، فإذا أحسنّا استلهامه والتفاعل معه، نكون من أهله النجّباء الذين يكرمهم الله تعالى، ويجعلهم في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.
هذه الأوقات المباركة تحثّنا على الإقبال على كتاب الله العزيز، كي نعتزّ ونتشرّف بكلام الله في وجداننا وحياتنا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق